إن كماً
مهولاً ومخيفاً من الامتعاض يستشري الآن في ما بين قطاعات الشباب والشابات
الحراكيين والناشطين، وحتى المهتمين من على بعد مسافة، فيما يتعلق
باللقاءات التي عقدها المسؤول الأردني الأول، واليساري الأول، مع جموع
السياسيين المعارضين في منازل جموع السياسيين الآخرين، والتي تطرقت، على ما
يبدو، إلى عدة مواضيع، على ما يبدو غاية في الخطورة، كدسترة فك الإرتباط،
إذ لا يستطع ناهض حتر السعال بدون هذا الذكر، ومواضيع أتفه من ذلك بكثير،
على ما يبدو، كالحلول الأمنية وما يصاحبها من أشياء وإنتهاك لحقوق الإنسان
وما شابه.
على كل، هذا الإجتماع، أو
هذه السلسلة من الإجتماعات، لا تحمل في داخلها أي قيمة سلبية على الإطلاق،
إلا للسياسيين الذين حضروها. علينا كناشطين أو مهتمين، أو أناس عاديين، أن
نتذكر أن لا سياسي أردني يستطيع التخلف عن هكذا لقاء أو الإعتذار عن هكذا
حوار. السبب في ذلك لا يمت بصلة إلى طبيعة الكوربة التاريخية التي تمر بها
البلد، ولا يتعلق بالحرص الدفين على أولوية الحوار والحل الإيجابي لأزمات
الدولة والنظام والشعب. السبب هو أن رفض هكذا لقاء أو دعوة يعتبر إنتحاراً
سياسياً من الدرجة الأولى، إذ أن الأردن كنظام، يضع كل القوة والثقل والوزن
والأهمية السياسية بين يدي رأس الهرم، وليس بين الأيادي القابضة على
المعول أو ماكينة النسيج أو الجمر أو الكيبورد. وبالتالي، فإن عدم تلبية
دعوة جلالة الملك، حفيد الرسول، غير قابلة للتطبيق من قبل رموز المعارضة.
إن
أنتجت هذه اللقاءت شيئاً، فهو، على المدى القصير، كسر ما تبقى من ثقة ما
بين هؤلاء الشباب والقيادات السياسية. إذا كانت الحوارات التي تبعت أحدث
ال-١٩٨٩ قد علّبت المعارضة من خلال القوانين والتراخيص والتعليمات، فإن هذه
الحوارات الحالية، ستقوم بعزل السياسيين عن الناشطين فيما يمثل ضربة جديدة
وتاريخية للمعارضة الأردنية، خاصة أن هذا اللقاء حدث وكأن لا وجود لمئة
معتقل رأي في سجون التكميم والتقييد والتعذيب والتنكيل. إن ما قد يبدو
للسياسيين في هذه الحوارات كلقاءات سياسية بحتة، تمثل عمق العمل السياسي
ومعناه، تُقرأ لدى الشباب كمجرد قفز إلى المعسكر الآخر. لكن، السؤال السحري،
لماذا؟ خاصة أن هذا اللقاء، وبمعزل عن قيمته كجلسة، لا يحمل في داخله أي
قيمة إيجابية دفينة وملموسة. إذاً لماذا كل هذا الامتعاض؟
الأزمة
كانت، ومن الواضح أنها ما زالت، مرتبطة بالطريقة التي تسوى بها الأمور.
أنا شخصياً، لدي كم هائل جداً من الثقة بشخصيات سياسية كخالد كلالده وخالد
رمضان (بالإسم، وتحديداً، وبدون نسيان). ومن الصعب على مجرد لقاء كهذا أن
يهز ثقتي بأي شخص مهما منما كان. يعني لن يتأثر إنعدام ثقتي المطلق بطرح ناهض حتر
سلباً أو إيجاباً لأنني علمت بهذا اللقاء. الأزمة أن التواصل العميق
والمطول قبل وبعد هذه الإجتماعات لم يحدث مع جموع الشباب. المفروض أن تتم
سلسلة من اللقاءات مع أكبر عدد من الشباب، من الحركة(ات) والتيار(ات)
والآخرين المستقلين، حتى وتحديداً أولئك المستقلين الذين يقعون على مسافة
من هذه الشخصيات، (لا أعلم إن حدثت، ولماذا لم تتم دعوة معظمنا لها).
ومن البديهي الإستغراب كيف أن لسياسيين مخضرمين، أن تغفلهم هذه الخطوة.
يذكرني ذلك بالحال التعيس الذي يعاني منه شباب وليد جنبلاط في لبنان، إذ
يعلمون بالخطوة السياسية والموقف الرسمي لقبيلتهم بعد حدوثه. هنا تكمن
المشكلة. المشكلة ليست بلقاء، إذ وبالنسبة لي لا يتجاوز هذا اللقاء في
أهميته أي لقاء آخر يحدث الآن على وجه المعمورة.
هنالك
ملاحظات أخرى لا بد من ذكرها. مثلاً، علينا كقرّاء التساؤل عن القيمة
الصحفية التي يحملها فهد الخيطان اليوم. يبدو أننا نتحدث، فيما يتعلق بنصوص
فهد الخيطان عن هذه الإجتماعات، عن نصوص تسويقية. هذه النصوص، فيما عدا
التسويق، لا تحمل في داخلها أي نوع من أنواع المساءلة أو
التحليل أو التأمل في هذه الإجتماعات. حتى أن أحد النصوص يحاول، بطريقة
مثيرة للتعاطف والخجل والتخجيل، طرح فكرة أن وجود الأحزاب السياسية غير مهم تحت قبة
البرلمان، وأن كل من يصوت بعدم منح الثقة للحكومة هو في مكان المعارض. هذا
يعطي إنطباعاً قوياً عن المدى البعيد الذي من الممكن للكاتب أن يذهب إليه
من أجل الإستمرار بالنهج التسويقي الذي يملى عليه.
النص
الذي كتبه ناهض حتر أيضاً يجب أن يتعرض للتمحيص. إذ من ضمن الخمسة رسائل
التي تبرع بنقلها لنا كمواطنين وقرّاء، وقع موضوع المعتقلين في المرتبة
الخامسة، فيما كان عدم التورط بمعركة المحاور السنية والشيعية في إحدى
المراتب السابقة، إضافة إلى، طبعاً، الفلسطينوفوبيا التي نالت الموقع
الثاني أو الثالث. هذا يدل على الكيفية التي كتب فيها النص، وعلى الأولويات
التي يرى الكاتب فيها أسس التواصل فيما يتعلق بإيصال الرسائل التي سُخّر
لإرسالها.
طبعاً كم اللوم الذي
يعتريني للأمين العام لليسار الإجتماعي، محمد كفاوين، والذي كان من المفترض
أنه يمثلني آنذاك (قبل إعلان استقالتي)، أكبر من ذلك بكثير. لا أود الخوض
فيه، إذ أن من مثلني سياسياً لم يسع بأي شكل إلى التواصل معي أو مع
الأخرين فيما يتعلق بالموضوع، تماماً كما وليد جنبلاط. أستغرب حقاً من تفاجئي .
No comments:
Post a Comment