عدنا والعود أحمد بعد طول غياب، وما بين العصر والمغرب، وقد حدث الكثير الذي يستحق الردح والسباب والشلتخة.
بعد الكارثة الإعلامية والمصيبة على صعيد السياسة الخارجية التي فجرتها مقالة ذي اتلانتك، لا يسعنا سوى القول، والله وراحت عل الناطور. ألا يقع في مجال المستغرب والمستهجن أن تفتقر الدولة لسياسة خارجية وإعلامية راسخة وثابتة تستطيع منع حدوث هكذا كوارث؟ الجواب: لا طبعاً! إذ قلنا وقال غيرنا مراراً أن الدولة الأردنية فاشلة ولا تستطيع أن تؤتمت عملها أو خطاها، هي مشروع يمشي بالترقيع والقفز من حفرة إلى أخرى، لا يتصرف النظام إلا بعد وقوع الفأس بالرأس، دائماً "too late" و-"disappointing" بطريقة عجيبة. لكن الكارثة هنا لا تقف عند المقال. إذ لا يحمل المقال أو صدوره باللغة الإنجليزية مع صحفي إسرائيلي أي قيمة إنسانية تذكر، سوى اللهم إذا كانت تعليقات أو آراء جلالة الملك قد جرحت مشاعر زعماء المنطقة (لا يمكن سوى أن نلاحظ أن النظام كان ولا يزال، بعيداً أشد البعد عن أن يعطي هذا الإمتياز للصحفي المحلي، بل أن النظام يبدو وكأنه عنصري إلى حد ما)
لكن الكارثة الإعلامية والسياسية الكبرى، المصيبة العظيمة والنائبة الشديدة التي ألمت بنا، هي الأداء التافه والسفيه والقاصر للدولة الأردنية فيما يتعلق بالمختطف خالد الناطور. افهموا يا عالم، الدولة لا تستطيع الإستفسار عنك عندما تختطف. لكنها قادرة على تكسير عظامك حرفياً إذا ما خرجت للإعتصام في مكان حساس جداً وذو معنى عميق كدوار فراس في جبل الحسين أو دوار الداخلية أو الدوار الرابع وهكذا.
من ضمن الحقائق التي يجب أن نتفق عليها عند بدء الحديث عن الشؤون المحلية، هي أننا جميعاً نرزح تحت وطأة حكم نظام عنصري، أو بالأحرى أنظمة عنصرية، كلها مبلية بعقدة الرجل الأبيض. فلنلاحظ ما يلي:
- النظام يبدّي الصحفي الأبيض في ادخاله إلى الدوائر المغلقة والضيقة بدلاً من ساكن البلاد.
- النظام يحرص على عدم التعرض للرجل الأبيض بالتعذيب والظلم والتهديد، في حين يفعل ذلك كله بغمضة عين مع المحليين.
- النظام مستعد لكفالة أمن وحماية السياح عندما يطوفون بيننا في ال"downtown" في حين أنه لا يستطيع فتح مستشفى في الطفيلة.
- النظام يقوم بتنمية وتطوير البنى التحتية بطريقة غير متوازنة، أحياء السفارتين الأمريكية أو الاسرائيلية تحظى سنوياً بما حظي به جبل النصر من تنمية وعناية منذ أن خلق.
- النظام لا يستطيع أن يستفسر عن مصير مواطنيه المختطفين، لكنه في الوقت ذاته، مستعد للمشاركة في إنقاذ جنود امريكين مختطفين في العراق على فرض أن الحاجة دعت لذلك.
- النظام يسلط مخابراته على الجامعات والإعتصامات والأفراد، إذ أنه يهاب الناس، لكنه لا يضطلع إلا بدور تابع وداعم أمنياً وسياسياً للرجل الأبيض.
- النظام لن يمانع إخفاءنا، إن تمكن، من أمام ناظري المسؤول الغربي، بل واستبدالنا بممثلين ذوي ملامح غربية.
- النظام، أو نواته، لا يفكر باللغة العربية، بل يفكر ويتصرف كغربي.
- الدولة والنظام تستخدمان الترهيب والتخويف ضد مواطنيها، لكن التحبيب والترغيب مع الرجل الأبيض مهما/منما كان.
- النظام شكل عبر السنوات، غيتوات في بلاده، تعزل وتبعد تحت إشراف الشرطة والأمن، الفقراء والبشعين والقذرين والمواطنين عموماً.
- النظام يمارس هذه العنصرية علينا وعلى الوافد المصري واللاجىء السوري والعامل الفلبيني، ولا يمارسها على سائح أمريكي.
ومن هنا، فأن العمل الناشط في الشارع، يجب أن يتجاوز فكرة أن النظام بحاجة إلى إصلاح على مستوى التطبيق، إذ أنه بحاجة إلى إعادة هيكلة تضمن عودته إلى مساره الصحيح بإتجاه الناس بدلاً من الرجل الأبيض. إن الفاشية التي نتعرض لها، يومياً، إبتداءً بتهديدات مدير الأمن العام على التلفاز، وإنتهاءً بالتهديد والترعيب الذي نتعرض له على لسان الوكيل والأغنية ال-"وطنية" هائل جداً، إن كل ما في الموضوع هو أننا أحياناً نعتاد الذل والهوان والترهيب فلا ننتبه.
وبالتالي، أنا مني وعلي طالع هجرة، بالأحرى لجوء إنساني، إذ انني أعاني من الممارسة العنصرية صرلي سنين، قسماً بالله العيش عند الغريب الكريم أفضل بكثير من عند القريب اللئيم. لا مكان لنا على وجه هذه المنكوبة أصلاً، لذا، فأن نعيش بكرامة في الخارج أفضل بكثير. صدقوني.
والله وراحت عل ناطور