Thursday, May 23, 2013

شكراً واشنطن بوست



في دراسةٍ أطلقتها صحيفة واشنطن بوست قبل نحو الأسبوع، اعتبرت الصحيفة الأمريكية التافهة والسطحية والشاذّة، أن الشعب الأردني هو ثاني أكثر شعوب العالم عنصرية. معروف، صحيفة مستشرقة ساقطة. العديد من الأصدقاء حولي اعتبروا التقرير مسيئاً ومبالغاً فيه، كيف تقول الصحيفة هذا الكلام، كيف استطاعت قياس العنصرية؟ يا زلمة الأجانب حمير شو فهمهم. 





لكن له له يخي، قام شعبنا العظيم منتفضاً، ليثبت كلام الصحيفة في أول فرصة. 

لا داعي لإعادة اجترار أحداث الأسبوع الماضي، لكنها تستوقفنا في بعض لحظاتها من ناحية محددة، هل نحن عنصريون؟ وضد من؟

أولاً، شعبنا "العظيم" و"الطيب" يحمل الكثير من المشاعر العنصرية ضد العراقيين، وعلى الرغم من كون الشعب العراقي شعباً شقيقاً عانى الأمرّين في العقدين الماضيين، وعلى الرغم من التنوير الذي انسابت أشعته من العراق وملأت باقي "الوطن" العربي، منذ ١٥٠ للهجرة حتى العقد الماضي من الزمن، في مؤلفات هادي العلوي وشعر السياب ومظفر وغيرهم، وعلى الرغم أن العراق علّمنا حروفنا ولغتنا عبر التاريخ، ودرّس الآلاف من أبنائنا في القرن الماضي، إلا أننا نضع هذا جانباً بلا تلكؤ كي نظهر عنصريتنا التي ندلي بها جهاراً ونستلذ بها وننتشي. يذهب رجال البعث الصدّامي سابقاً، كي يقتحموا غير مدعوين، فعالية لإحياء ذكرى اكتشاف قبور جماعية رصّ فيها صدام (كدت أقول الأسد)، مئات إن لم يكن آلاف المواطنين العراقيين، ذهب رجال البعث وأبطاله هناك كي يهتفوا بإسم الجلاد والبلطجي، حجاج القرن العشرين، مجرم ليس مثله مجرم، وسفاح وصل صيته أقاصي الأرض لما هو عليه من بطش وقمع، ولما مارسه من إعدامات جماعية تقشعر لها الأبدان.

لكن نحن أقوى من ذلك، نحن نحتفي بهذا الجزار، وهذا حق لمن يتماهى مع أصنامه. لكننا نريد أن نحتفي به أمام الضحية، ورغماً عن أنفها، وما المشكلة إن كان أهالي الضحايا هناك، لا مشكلة على الإطلاق، لنذهب ونهتف لصدام كي يتذكروا جيداً المآسي التي حلت بهم. ما حدث في المركز الثقافي الملكي من إعتداء على أبناء الوطن عادي جداً ومبرر، ولا يعدو كونه مشاجرة من الممكن أن تحدث في أي قهوة أو بار، ليست حادثة عظيمة، واحد راح يزقف لصدام قدام أهالي مقتولين، انقتل وروح. هل كان من المفروض أن يسكت أهالي الضحايا؟ أو أن يرموا رجال صدام بالورود والقبلات؟

 لكن لنفكر بالنقطة هذه، لو كان هؤلاء الذين ذهبوا إلى المركز، أبناء الوطن ورجاله، أكثر عدداً وأشد بأساً من الحضور وحرس السفارة، ماذا كانوا سيفعلون؟ ماذا لو حكموا البلد؟ هل سيبقى أحدٌ منا خارج معسكرات الاعتقال أو أقبية التعذيب؟ علينا أن نغيّر طريقة تعاملنا مع حقوق الإنسان، إن من لا يؤمن بحقٍ ما للآخرين، لا يجوز أن يوفره الأخرون له، ببساطة.

ونحن عنصريون فعلياً ضد العراقيين، كم من مجلسٍ في هذه البلاد، يُنعت فيه العراقيون ب-"أهل الشقق والنفاق" يومياً؟ وهذه مسبّة ذليلة ووضيعة، يقتبس فيها المواطن "الطيب" الجزار الحجاج بن يوسف الثقفي. الحجاج الذي يقتبسه المواطن البسيط قتل ما بين مئة ومئة وعشرين ألفاً من العراقيين في عشرين سنة من حكمه (هادي العلوي، من تاريخ التعذيب في الإسلام، صفحة ٩٩). أي قتل الحجاج ما يقرب من ١٤ عراقياً في كل يوم من أيام حكمه، (أي ما يزيد عن قتلى نكازاكي بسبب القنبلة الذرية) ويصر المواطن الأردني على اقتباسه عند وصف شعب كامل. أليست هذه عنصرية؟ هي عنصرية لأن الجملة تحتوي معنى خفياً، وهو أن الديمقراطية والحريات لا تليق بالشعب العراقي، شعب الشقاق والنفاق.

يخي هي الديمقراطية والحرية بتلبقلنا احنا وبس، حرية الطخ في الجامعات وديمقراطية التنكيل بالمواطنين. حرية وديمقراطية تليق بنا نحن المرضى والعنصريون.

ثانياً: النفايات التي يرمينا بها الإعلام المحلي.

محطات وإذاعات البلد، في معظمها، ولا استثني منها هنا سوى عمان نت وراديو البلد، تصب في آذاننا يومياً "أغانٍ وطنية" ليست أغاني وطنية حقاً. إن السمة الغالبة في هذه النفايات هي العداء للآخر والتحريض على العنف والكراهية له، هذه الأغاني غير قادرة في معظمها على تعزيز الشعور "الوطني" (مهما كان معنى ذلك) دون آخر مضاد عدو، وتصوّر الكثير من هذه الأغاني لحظة انقضاضنا على هذا العدو والعنف الذي سنمارسه ضده. هذا هو الخطاب الذي يُبث للمواطنين يومياً على مدار الساعة، ولو كان المواطن الأردني أكثر وعياً من أي مواطن في العالم، فهو سيتأثر بهذا الخطاب لا محالة.

لكن أياً من هذه الأغاني لا يوضح من هو هذا العدو. هو "آخرٌ" ما يريد تهديدنا وإقصاءنا، هي أغانٍ تمثل نموذجاً صالحاً للإستخدام ضد أي آخر وليس آخراً محدداً. فهي صالحة ضد العراقيين أو السوريين أو الناشطين السياسيين أو فقط المختلفين معنا أو عنا. لكن لنفكر قليلاً بهذا الآخر، هل من الممكن أن يكون هذا الآخر الذي سنفقأ عينيه (وفي هذا تمثيل وتعذيب نهى عنه الرسول، لكن لا يهم) هو الجندي الإسرائيلي؟ أو المستعمر الأمريكي الذي ينهب ما ينهب بلا تردد ولا حياء؟ هل من الممكن أن يكون هذا الآخر الذي سنطقطق عظامه من دول العالم الأول؟ لا طبعاً، هو الآخر الضعيف أو الفقير، هو حامل جواز السفر الغزاوي، أو غير الحامل لأي جواز، أو اللاجئ من صراع  الطوائف في العراق، أو الهارب من بطش الجزار الأسد. هذا هو الآخر الذي نستقوي عليه ونهدده علانية ليل نهار على مرأى ومسمع منه. وفي نفس الوقت، تملأ أصوات "welcome to jordan" وسط البلد مهللة للرجل الأبيض. نحن عنصريون ضد أنفسنا إذا ما لوّح السائح بدولار. 

الأسوأ، أن قناة تلفزيونية، كنورمينا، لم تتردد في الإنقضاض على الفرصة، وضعت القناة مذيعة ترتدي شماغاً وطنياً، صُنع في الصين على الأغلب، وجلست أمام عشرات إن لم يكن مئات الألاف من المواطنين، تحرض على العنف والكراهية، والاقتصاص من الآخر (كان هذه المرة الآخر عراقياً)، والاستداد لما أصاب الكرامة الوطنية من مكروه وجراح. باتت حادثة المركز الثقافي بالنسبة للإعلام والمجتمع الأردني رمزاً للكرامة الوطنية. لم يكن رمز الكرامة الوطنية فساد الكردي أو فساد رؤساء المخابرات أو قضية الكازينو أو أننا نشحد قوت يومنا من الأمريكان والخليج، لا هذه بعيدة عن الكرامة، الكرامة تتلخص بالآخر الضعيف، لأن لا كرامة لنا أمام البترودولار أو حذاء العم سام. لا أحد يطالب بأن نثور لكرامتنا ضد الأمريكان (إذ أنهم أسياد الكوكب والزمان)، لكن من غير المعقول أن يكون علاج الأنا العليا خاصتنا هو المستضعف على الدوام.

لا بد من التوضيح، أن الإعلام الرسمي يتخذ من هذه السياسة منهجاً دائماً، فالصحف الرسمية توظف كتاباً عنصريين علانية وبلا مواربة، كتاب مثل ناهض حتر يحرضون بشكل منهجي ويومي ضد المواطنين من أصل فلسطيني. فهد الفانك يطالب علانية بإغلاق الحدود في وجه من يأتون هرباً من ما بات حرباً أهلية طائفية في سورية، ولا مانع لديه أن يموتوا هناك إذ أنهم لا يأتون بأشوال من الدولارات كما العراقيين (هذا ما كتبه حقاً، لا أبالغ). عبد الهادي راجي المجالي، وهو أيضاً مدير مركز الحسين الثقافي،  (لاحظ سياسة الدولة الأردنية في وضع الرجل المناسب في المكان المناسب) يصف في أحد مقالاته كيف ضرب العامل الوافد بمنفضة سجائر لأنه غيّر قناة التلفاز في المقهى، وفي مقال آخر يضع كل الأقليات في مشهد واحد ويهاجمها جميعاً كما لو كنا نعيش في ألمانيا نازية. الإعلام الرسمي أيضاً عنصري.


ثالثاً: ليس من المعقول، في رب القرن واحد والعشرين، أن تنقص منهجنا مواد للتربية المدنية والأخلاق. ليس من المعقول أننا نحشو أذهان أطفالنا بتربية "وطنية" تعلّمهم عن تفوقنا التلقائي على الآخرين على الرغم من أننا بعيدون كل البعد عن أي نوع من أنواع التفوق على أي أحد. ليس ذلك فحسب، بل أن أساتذة جامعات، كالطائفي وضيق الأفق أمجد قورشا، مسؤولون عن تدريس المئات والألاف من الطلبة سنوياً، يصرحون علانية بمواقف طائفية متخلفة ضد الشيعة. إن الدولة الرومانية، على علّاتها، كانت أكثر مدنية وأقل عنصرية من الدولة الأردنية الآن.

لقد تمّت تربيتنا على العنصرية ورفض الاختلاف، لدرجة أن طلاب في جامعة أردنية، تعرضوا (واحد) للضرب المبرح على أيادي زملائهم لأنهم يرتدون ملابس مختلفة، أو يستمعون لأغانٍ مختلفة عن أغاني الفقء والتنكيل والتعذيب. لأنهم (اثنان) عبدة شياطين! وبعد ذلك تم تسليمهم للأجهزة الأمنية (ثلاثة D:)! وتمت محاكمة الضحايا في محكمة أمن الدولة (ياااي، أربعة، هيييه)! هذا الكلام حقيقي، ليس خيالاً، هكذا نتعامل مع التعليم، هذا هو التعليم في البلاد، المجتمع الأردني يحاكم الضحية ويكافئ الجلاد (لا يمكن أن ننسى أبداً، مهما طال العمر بنا، أننا وفي حياتنا هذه، زوّجنا المغتصبة لمغتصبها بموافقة القانون والمجتمع (خمسة بعين اللي ما يصلّي على النبي)، هذا نحن، هذا بالتحديد نحن).

لقد باتت لدينا القدرة أن نكره عنصرياً فئات اجتماعية غير موجودة حولنا حتى، لدينا القدرة على الهتاف ضد الشيعة أمام السفارة العراقية مثلاً. لقد استمتعت بزجاجة من البيرة وأنا أراقب مع أصدقاء إعتصام السفارة العراقية عن بعد (ليس خوفاً من الإعتصام، لكن خوفاً من زيادة عدد المعتصمين)، هتف المشاركون هتافاتٍ مهينة للشيعة على الرغم من عدم وجود شيعة في البلاد! تم التنكيل بعبدة الشياطين على الرغم من عدم وجودهم! بتنا نستطيع أن نخترع آخراً كي نكرهه، هذا نحن، نعم، نحن ثاني أكثر شعب عنصري في العالم، شكراً لواشنطن بوست التي تفهمنا أكثر منا.

حتى رئيس وزرائنا الفذ التقى لجنة مكافحة التشيّع في الأردن بدون ما يكون في شيعة في البلد! احنا كثير قريبين من القاع.

شو يعني كرامة المواطن الأردني؟ ألا يصب في هذا التعريف ٢٥ أسيراً أردنياً ما زالوا مضربين عن الطعام في سجون الإحتلال الإسرائيلي لليوم الثاني والعشرين على التوالي؟ هل من المعقول أن الإعلام الرسمي والبديل يتجاهلون هكذا قضية ولا يتركون فرصة التحريض على الأقلية العراقية تفلت منهم. أليس من الأولى صون كرامة الإنسان الأردني بعيداً عن المحاكمات العسكرية؟ تباً لهكذا كرامة.

الحقيقة المرّة هي أنه لا وجود لكرامة المواطن، لا وجود لها في المخافر الأردنية، ولا وجود لها في حالة المعتقلين الأردنيين خارج البلاد، ولا وجود لها لأسرنا، لا وجود لها في طوابير المعونات الاجتماعية، حيث جعلت الدولة لنفسها شعباً يمد يده يستجدي قوته، لا وجود لها في الدرك الذي يكسر عظام المتظاهرين، لا وجود لكرامة المواطن. هنالك فقط كرامة السلطة وبطشها.

شكراً لكم واشنطن بوست، أنتم أفضل أصدقائنا.





Monday, May 13, 2013

عن وضع الحريات في الأردن



قال أحد الأباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية، العلّامة بنجامين فرانكلين، أن أولئك الذين يتخلون طوعاً عن حرياتهم الأساسية، للحفاظ على أمنهم المؤقت، لا يستحقون حرياتهم ولا أمنهم وسيخسرونهما على السواء. وهذه في مكانها هنا، وإنني لا أستغرب البتة أن هذه الجملة لم يقلها زعيم عربي كعبد الناصر (إذ كان متفرغاً في معظم الوقت لإدارة مشروعه الشمولي بما في ذلك الإعتقالات السياسية والتعذيب، راجع كتاب "سنة أولى سجن" لمصطفى أمين مثلاً، إضافة إلى المشاريع الأخرى كخسارة الحروب التي لا يقدر على التلويح بخوضها والإيعاز بالإغتيالات السياسية). ولا يثير صدمة أحد أن هذه الجملة لم يقلها أنطوان سعادة أو ميشيل عفلق، إذ أن كلاهما، بسقوطهما الأخلاقي والفكري، لم يجدا من ضرورة في الحرية، إذ أنهما انشغلا بنسخ التفاصيل التنظيمية والأسس الفكرية التي قامت عليها فاشيات أوروبا، وفي مهم وفي أهم. لم يقل هذه الجملة قائد عمالي محلي، أو مناضل فلسطيني (ولا بد أن نتذكر، أنه لو اختفت إسرائيل اليوم، فإن الشعب الفلسطيني سيغرق في حرب أهلية أو فصائلية لا مخرج منها، من أجل السلطة، من أجل المزيد من تقييد الحرية، اللهم حرباً قصيرة كي يقترع الشعب بقوة الذراع والسلاح، أي ظلم وكبت وإضطهاد يريد، حماس ستايل أم فتح، هل يريد الظلم بنكهة إسلامية أم نكهة شبه علمانية؟). لكن على كل حال وصلنا الحديث المسند للأب بنجامين، وها نحن هنا.

لا وجود، ولا إمكانية لوجود، الأردن أو أي بلد آخر، بمعزل عن باقي العالم. وهذا الكوكب التعيس، كما نعلم جميعاً، مليء بالأخطار والمطبات والعهر العالمي. فعلياً، إن الدول الوحيدة المعزولة عن العالم هي دول خارج التاريخ حتماً، ككوريا الشمالية مثلاً. ولا بد لنا هنا أن نتغاضى عن الرأي المتهافت والساقط القائل بأن دولاً ككوريا الشمالية هي مشاريع ناجحة بأي نوع من أنواع المعايير. عدا ذلك، فإن كل دول العالم تمر بأزمات، هنالك دوماً خطر ما خارجي أو ظروف حساسة أو مش وقته أو ما شابه. وهذا الخطاب، خطاب السلطة والمحافظين، يدفع دوماً بإتجاه الحفاظ على كل شيء على ما هو عليه، لأن القادم محفوف بالمخاطر، أو لأن الوقت لم يحن بعد، أو لأن العالم يمر بمرحلة حسّاسة، أو لأن المنطقة مش مستحملة، أو، أو لأن الحقيقة المرّة، هي أن أصحاب الجبروت والمال والجاه، سيصطفون دوماً مع المحافظة على مكتسباتهم. لا يوجد نظام في العالم، مهما كان كيوت ومنيح، مستعد للتقدم أو التغيير أو منح الهبات الحقوقية مجاناً. كل الأنظمة، في كل العالم، هي نتاج ظروف تاريخية سابقة زمنياً، والأنظمة والبنى تميل دوماً بإتجاه الظروف هذه، إذ أنها الظروف التي شكّلت ضرورة نشأتها، لا ظروف مستقبلية تحرمها من سلطتها على الفرد

هذه الظروف، هي تحديداً الظروف التي لا بد لنا من العمل في ظلها لتعزيز قوة الفرد على حساب المؤسسة. هذه هي الظروف، التي لا بد للفرد فيها أن يساهم، إلى جانب باقي الظروف الموضوعية الحساسة، في تقويض المزيد من سلطة السلطة وجبروت النظام، بإتجاه الذهاب إلى شكل جديد لعلاقة السلطة بالفرد، شكل ليبرالي بحت على المستوين الحقوقي والحرياتي. علينا أن نصل، من خلال كل أزمة وإعتقال وحادثة وصراع، إلى مربع جديد، مربع يزيد من تفضيل الحرية الفردية على حساب الدولة والمجتمع. إن العمل في هذا الإتجاه، مهما كانت الظروف، هو الضامن الوحيد لتحصيل مستوى جديد من الحرية الشخصية والحقوق الفردية، لا على صعيد النص القانوني القاصر فقط، لكن على صعيد الثقافة العامة والشعبية، على صعيد العُرف، لا بد لنا من أن نُدخل الحرية والحقوق الفردية كمكوّن أساسي لا في الدستور فحسب، بل في ثقافة الإعلام ومطعم الحمص وسرفيس جبل عمان.

إن الفرد، بحكم تعريف الأخلاق، ليس مجبراً ولا مطالباً بأن يتصرف بشكل أخلاقي مع الأنظمة والمؤسسات والشركات. الأخلاق شكل من الإلتزام الناتج عن ضرورة أو عقد إجتماعي أو طبيعة بشرية، لا يهم، لكنها بالتأكيد صيغة للتعامل مع الفرد الآخر، وليس المؤسسة أو الشركة أو النظام. ولذلك، فإن الإستقواء بالغرب على العقل الأمني الأردني ليست خيانة، أو مثلاً الإنقضاض على الدولة/النظام/المجتمع في الظروف الحساسة من أجل تحسين شروط الفرد هو عبادة بحد ذاتها.

وعلى الصعيد الحقوقي والحرياتي فإن القضايا التي نواجهها الآن في الأردن:
(طبعاً هذا لا يشمل النواحي الإقتصادية، ولهذه نص لاحق مستقل)

٠،٥. وقبل البدء، لا بد من التنويه لضرورة إعادة هيكلة جهاز المخابرات العامة والأجهزة الأمنية جميعاً بما يشمل ذلك تحديد الإختصاصات وإعادة تأهيل الكوادر نحو أسلوب عمل يضع حقوق الإنسان فوق أي إعتبار سياسي أو أمني مهما كانت الظروف. بدون هكذا إعادة هيكلة وتأهيل، لن نتمكن من تحويل البلاد إلى وطن بكل ما تعنيه الكلمة، بدون ذلك لا معنى لأي مسيرة، إذ أن النكسة قادمة دوماً لا محالة. هنالك ضرورة لإعادة هيكلة الدولة الأردنية إذا ما أردنا أن نخلق أي نوع من أنواع التقدم والخلاص.


١. التعذيب، لا زالت الأجهزة الأمنية الأردنية تتعامل مع الفرد وكأنه من ممتلكات النظام. وبالتالي، تتصرف الأجهزة غالباً بطريقة لا تراعي أن الإنسان أو المواطن، هو كائن قابل للكسر والتشويه، بل مجرد شيء ما لا قيمة له. ممارسة التعذيب لا تحصل على المستوى علاقات الأردن العالمية فقط (طبعاً كلنا نعرف التاريخ القريب الجميل، عندما كانت الولايات المتحدة ترسل أولاك الذين اختطفتهم من حول العالم إلى الأردن ومصر وسورية -نعم سورية- كي يتم إنتزاع اعترافاتهم بكل لباقة). تتم ممارسة التعذيب أيضاً على مستوى المخافر، (خلع أذن أحد متظاهري تشرين الماضي)، وعلى مستوى الشارع، (عشرات أفراد الشرطة يعتدون على احدهم بأدوات شواء حادة صلبة السنة الماضية). ناهيك عن قتل موقوف مؤخراً في جهاز مكافحة المخدرات للإشتباه في تعاطيه مادة الحشيش. المهم هنا، هو أن الشرطة لم تجد مانعاً من إستخدام العنف ضد المدنيين العزّل، على العلن وفي الملأ في معظم الأحيان، إن ثقافة حقوق الإنسان لم تصل بعد إلى داخل الأجهزة الأمنية. هم لا يعرفون، هم يجهلون معنى كرامة الإنسان لدرجة القيام بهذا كله في الملأ وأمام الكاميرات. لأنهم ببساطة اعتادوا على أن الفرد، طالما أنه ليس ثرياً أو ذا نفوذ، هو مجرد لا شيء لا مانع لديهم من تأديبه أو تعذيبه أو تقويمه أو تربيته، لأن هذا هو دور الأجهزة الأمنية الذي أصبح معياراً في البلاد. على كل حال، إن كنتم ترغبون بمعرفة المزيد عن فقء عيون المعتقلين أو تكسير عظام المتظاهرين، يمكنكم معرفة آخر انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الدولة من خلال هيومان رايتس ووتش أو امنستي وهذا متوفر باللغة العربية على مواقعهم.

٢. تجنيس أبناء وأزواج الأردنيات، إذ لا يعقل، وبغض النظر عن أي نوع من الظروف أو المخاوف، أن تحرم المرأة والأم الأردنية من ممارسة حقها في بلدها وتوريث جنسيتها مهما كانت النتائج. لا يجوز، في هذا الزمان وبعد كل ما كتب وقيل عبر التاريخ، أن تمارس مؤسسة الدولة، أو أي مؤسسة، أي نوع من أنواع التمييز السلبي ضد المرأة حتى ولو كانت البشرية على حافة الإنقراض التام. إن أصواتاً أردنية اليوم، تنادي بحرمان المرأة الأردنية من حق أساسي وشرط مركزي للمواطنة، وهو الحق في البلاد التي من المفترض أنها للجميع. وقد حان الوقت منذ زمن بعيد، لإسقاط الحجة التي تجابه تجنيس أبناء الأردنيات بالتجنيس غير القانوني لغيرهن. إن حرمان الأردنيات من توريث جنسيتهن لا يرتقي، وهو في إطار النفي المعنوي والإسقاط الجزئي للجنسية عنهن، لأي نوع من أنواع التجنيس غير القانوني (وهو في إطار السرقة، لكن هذا لا يقرب حتى من حرمان التجنيس الذي يقع في وزن النفي من البلاد)، ولا يمكن مجابهة هذا بذاك. إن تمييزاً ضد امرأة واحدة في هذا المجال، هو إغتيال وقتل لمفهومي المساواة والمواطنة. لا يجوز أن يدور هكذا نقاش عن هكذا موضوع، لا يوجد أي داعي لإثبات الحقيقة البشرية القائلة بحق المرأة/الإنسان في العدالة. 

٣. الحق المطلق والمقدس في التعبير عن الرأي: وهذا لا بد له أن يشمل الحق والحرية في التعبير عن أي رأي بما في ذلك ما يتعلق بالنظام ورأس النظام والله والدين والرسل ورؤساء المخابرات الحاليين والسابقين واللاحقين ومتهمي الفساد ورجال الدولة الكبار والأجهزة الأمنية كافة وممارساتها جميعاً، إضافةً إلى الحق في التعبير عن الرأي فيما يشمل المال العام والسياسة العامة للدولة مهما كان الأمر أو الوضع حساساً وحتى في حالة الحرب، إضافةً إلى اشتماله على كافة وسائل التعبير  بما في ذلك الفردي والجماعي في التظاهر والإعتصام والإعتصام المفتوح. إن الدولة الأردنية لا زالت تفضل تكميم الأفواه بدلاً من ضمان حرية التعبير عن الرأي بشكل مقدس لا يقبل المساومة. إن على الدولة الأردنية ضمان هذا الحق لكل الأفراد على حسابها، أي بما يشمل حماية أصحاب الرأي من الإعتداء والملاحقة والضغوط التي تمارسها أجهزة الدولة أو المجتمع على السواء. 

٤. الحقوق الفردية أو الفردانية: ويشمل ذلك كل ما يفعله الفرد طالما أنه لا يؤذي الآخرين ولا يحد من حرياتهم، وفي أعلى القائمة، حقوق المثليين جنسياً وحق المرأة في الإجهاض (كبديل عن تزويج القاصر لمغتصبها كما يحدث اليوم في الأردن)، والحق المضمون والمقدس في خوض نمط حياة خاص مهما كان هذا النمط. على الدولة الأردنية أن تسخّر جزءًا من مصاريفها لضمان حقوق الأفراد ضد المجاميع (ولعلها تود تقليل نفقات التنصت على هواتف الأردنيين كي تأتي بالمال) مهما كانت طبيعة نمط حياتهم ومهما تعارض هذا النمط مع كل كتب الميثولوجيا التي يود البعض احترامها.

٥. الحق الجماعي في العمل والتنظيم والحشد والتبليغ والإعلام لأي هدف أو غاية سلمية كانت، بما يشمل ذلك تغيير الدستور أو النظام أو العقد الإجتماعي الساري حالياً. إذ لا يعقل أن يكون العقد الإجتماعي الحالي غير قابلاً للنقد أو النقض بالرغم من عدم مشاركة أي انسان حي في التصويت عليه أو الموافقة على مضمونه. لا يعقل أن يظل الإنسان الأردني، إلى ما لا نهاية، أسيراً لإتفاق أو عقد لم يعد هناك من يتذكره أو لم يعد على قيد الحياة أياً ممن وقعه. ولطالما استخدمت الدولة الأردنية تهماً تافهة وساقطة ومثيرة للشفقة في هذا المضمار، إن "محاولة تغيير الدستور" هي من ضمن هذه التهم. إن أي مواطن غربي، على ما في الغرب من علات، قد ينفجر ضاحكاً إذا ما عرف أن محاولة تغيير الدستور قد تكون تهمة في بلدٍ ما. ولربما، ربما، يتخذ قراراً المرة القادمة بالتصويت لأولئك السياسيين الذين يتعهدون بربط مساعدات الغرب لنا بالإصلاح السياسي. 

هنالك ضرورة فائقة، الآن وليس في أي وقت مضى أو قادم، للعمل على كف يد الدولة (وأجهزتها) والمجتمع (ومجاميعه) عن الحقوق الفردية. ولربما تكون ممارسة هذه الحقوق بغض النظر عن الوضع القانوني الحالي أهم ما يمكن فعله لترسيخ قواعد وحدود اللعبة. إن النصوص القانونية لم ولن تكن يوماً ضامناً للحقوق والحريات الفردية، على العكس، فلطالما كسرتها الأنظمة الإستبدادية أو المجتمعات المتخلفة/المتأخرة على مر العصور. لا بد لنا من القيام، حتى لو لم نرغب ذلك، بكل ما يحق لنا، ينبغي علينا ممارسة هذه الحريات، حتى لو لم نرغب بها أو لا نشعر بضرورتها. 

إن لم يكن التمرد والحرية الجنّة بعينها، فهما الطريق إليها.

Saturday, May 11, 2013

عبدة الله وعبدة الشياطين




تحتجز الدولة ولمدة باتت الآن تزيد عن الشهر، أربعة طلّاب جامعيين بتهمة عبادة الشيطان. وكأي دولة عالم ثالث سحيق، لا يدرك القانونيون الأردنيون ولا رجال الأمن والأمان، ولا يتوقع منهم عكس ذلك، أن لا وجود لعبادة شياطين في العالم. الناس يا دوب عابدة الله، مش قاعدة بتدور على شياطين تعبدها. المشكلة الأعمق هنا هي أن هؤلاء الطلبة لا يمثلون أمام محكمة مدنية، بل أمام محكمة عسكرية، محكمة أمن الدولة.

يمثُل في الوقت ذاته ناشطون أردنيون أمام محكمة الظلام والتخلف بتهم مثل "محاولة تقويض نظام الحكم" و"إطالة اللسان". ولا داعي للسخرية من تهمة مثل "تطويل اللسان" مما يُذكر بخالتك دلال، لكن وجود تهمة "محاولة تقويض نظام الحكم" لشخص تكلم بكلام ما، مهما كان، تعتبر تهمة تافهة وغبية إلى أقصى الحدود. لن أستغرب أبداً إن خرج علينا مسؤولٌ أردني ليقول أن هذا الكلام مزاح، وأن الناشطين لا يقوضون النظام بأي كلام. أنا حقاً لن أتعجب إذ أن الإستغراب حقاً يجب أن يكون من كون أي كلام، مهما كان، قادراً على تقويض نظام الحكم. ما هذا النظام الذي يخاف على نفسه من التقويض بسبب كلمة. كلّي ثقة وأمل أن النظام لا يعتبر أي كلام مهدداً له، حقاً أتمنى أن يعتبر النظام نفسه أرسخ وأثبت من تهزه أي سلسلة من الكلمات أو الأصوات التي يقولها أي أحد. لأن عكس ذلك هو تراجيديا قاسية جداً، أن يحكم البلاد نظام بهذه الهشاشة. لا بد للنظام أن يتصرف بالحد الأدنى من الثقة بنفسه، مش معقول. 

محكمة أمن الدولة ليست غير دستورية فحسب، بل عسكرية وتصدر أحكاماً غير قابلة للنقد أو الاستئناف. وعلى الرغم من أن هذه المحكمة يفترض بها أن تتخصص في تهم الإرهاب والخيانة العظمى والتجسس، قرر العقل السياسي والأمني النظامي أن يمدّ في اختصاصها كي تحاكم الأفراد والمواطنين العاديين. لسببٍ ما، قرّر المركز السياسي والأمني الأردني أن يمارس أعتى أشكال القمع والإرهاب ضد سكان البلاد. طبعاً من المهم التذكير أنه وتبعاً للدستور الأردني، يعتبر التلاعب في المال العام خيانة عظمى مثلاً، لكن محكمة أمن الدولة لم تمد من سيطرتها لتحاكم فاسدين من أمثال خالد شاهين، ولم تحاول محكمة أمن الدولة توسيع اختصاصاتها كي تشمل تهم الفساد والإرتشاء ونهب المال العام. لا، قرّر عقل النظام الأردني أن يوجّه هذه المحكمة نحو الطلاب الجامعيين والناشطين.

يأتي إعتقال الطلاب الأربعة بعد أن تعرضوا للضرب والإهانة من قبل ما يزيد عن ٢٠٠ طالب في جامعتهم. هؤلاء الطلاب الذين اعتدوا على زملائهم ليسوا في أي هيئة مختصة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا لا، مجرد طلاب استخدموا القوة والعنف ضد زملائهم لأنهم يسمعون موسيقى مختلفة، أو لأن قصات شعرهم تختلف عن رؤوسهم المليئة بالجل والقرف الذين يضعونه. كان دور الجامعة هو الإمعان في إضطهاد الضحية بدلاً من التدخل لصالح الفرد والطالب والحرية الشخصية.


الأسوأ من هذا كله، هو أن موسيقى الميتال مثلاً، هي موسيقى كلاسيكية إلى أبعد الحدود، يمكننا القول أن لو فاجنر عاش معنا اليوم، كان سيكتب ويعزف نفس هذه الموسيقى إلى حد كبير. إن الموسيقى الكلاسيكية والميتال متشابهتان تماماً في الهيكلية والتناغمات المستخدمة فيهما. طبعاً يجهل مكتب عمادة شؤون الطلبة ورئاسة الجامعة ذلك، إذ أن هذه المكاتب صرفت العقود الماضية في ملاحقة الطلاب المسيسين بدلاً من البحث والقراءة والإستماع إلى موسيقى عدا موسيقى القرف والعنف على راديو الوكيل والأمن.

مكاتب المخابرات في الجامعات الأردنية والأمن الجامعي وشعب واحد لا شعبين والأمن والأمان لم ينفع الطلاب الأربعة الذين اضطهدوا بسبب الشكل والمظهر، لا بل إن إدارات الجامعات الأردنية التي تساهم في ذلك بشكل مؤسسي، هذه الإدارات لن تكون سوى مؤسسات سطحية تافهة لا تحكم بناءً على التقصي والبحث العلمي، بل على الشكل والمظهر. هذه هي الحقيقة. على كل حال، العنف الجامعي الذي يحصد أروحاً عدة كل عام مش مهم ولا يدفع بأجهزة الدولة والأمن والجامعات للتعاون فيما بينها كما أربعة طلاب فقدوا بلحظة حريتهم وتمت اهانتهم بموافقة ضمنية جامعية وأمنية. طبعاً، ماذا نتوقع من نظام لا يزال يستخدم هيئة قضائية كمحكمة أمن الدولة التي تنتمي في منطقها إلى فاشيات أوروبا الثلاثينات أو محاكم تفتيش تنتمي إلى عالم غير عالمنا.

هل هناك من داع للخوض في تفاصيل الحجج المنطقية التي أرساها برتراند رسل وروسو ورولز كي نثبت من جديد للقضاء الأردني والقانونيين المحليين أن حرية التعبير عن الرأي والعبادة والفكر من ضروريات المجتمع الصحي؟ ربما لا بد من إعادة تعليم وتأهيل للمؤسسات القضائية والقانونية الأردنية كي تتماشى مع الحد الأدنى لحقوق الإنسان، أقول إعادة تأهيل بالمعنى الحرفي للكلمة. طبعاً، إذ أن تغول المؤسسات الأمنية على الجامعات الأردنية لعقود، أدى إلى تخريج أجيال ساهمت في بناء مؤسسة قانونية وقضائية لا تمتلك الحد الأدنى من الثقافة في الفلسفة السياسية أو كلاسيكيات الحجج المنطقية التي تثبت حق الإنسان المقدس في الحرية.

ليس من الخطأ أن نذكر هنا فشل مؤسسات المجتمع المدني في التعامل مع هذه القضايا. كيف سنتوقع من الأحزاب الأردنية التي لا تمتلك أي تاريخ في تداول السلطة أو تعدد المنابر في صفوفها أن تخرج عن صمتها للدفاع عن حرية الأفراد. إن معظم الأحزاب الأردنية لا تؤمن ولا تكذب حتى في الإدعاء بأنها تقدس الحريات الفردية. كيف ستؤمن بحريات لطالما عارضتها في داخلها، وهي أحزاب اعتمدت على اللجان المركزية وتزكية قوائم الترشيح المحددة سلفاً والإنتخابات الشكلية، فقط الغباء أو سوء الملاحظة قد يجعلانا نتوقع أي تحرك إيجابي في هذا المجال من قبل مؤسسات أسوأ من النظام بكثير فيما يتعلق بالحريات والحقوق. أحزاب لن تتردد في نصب مشانق لمعارضيها لو أمسكت بالسلطة يوماً ما. (الله لا يقدّر)

هؤلاء الطلاب والناشطون هم ضحية لمجتمع متخلف متأخر فكرياً وحضارياً، مجتمع هو بحد ذاته ضحية لنظام متعجرف وقلق، سادي وفاشي وفاسد، وإن حاولنا أن نجد تحسناً في أداء النظام الإصلاحي في السنتين الماضيتين، فإننا نجد صفراً قاسياً يحدق بنا، لا شيء، لا إصلاح ولا زفت. لا يملك المرء شيئاً سوى أن يدعو هؤلاء الطلاب والناشطين إلى الهجرة. إن هذه الملفات القانونية القائمة ضدكم قد تساعدكم في قبول طلبات هجرتكم في الكثير من السفارات، إذ أن الرجل الأبيض، مهما كان سافلاً، يظل أعمق وأكثر إنسانيةً من أنظمة تحاكم المواطن أمام محكمة عسكر هندستها المخابرات. يظل الغرب الكافر أفضل من عبدة الله هنا، وتظل الغربة أفضل من الوطن الجائر.


لا داعي لأن نحاول، هذه أهم جملة هنا، الإستقواء بالمنظمات الغربية حلالٌ بل ربما فرض. لا داعي على الإطلاق أن نحاول أن نغيّر من الداخل. النظام لا يرانا بشراً، ويكترث لتعنيف الغرب فقط.

وللغربة كلمة أخيرة، هل تعتقد، عزيزي الماثل أمام محكمة القمع والتكميم والعسكر، أنك لا تعاني من الغربة هنا؟ أليس الإضطهاد الذي تعرض له الطلبة في الجامعة أقل بكثير من أي إضطهاد يتعرض له المهاجر غير الشرعي في النرويج؟ أليست الغربة أخف وأحلى وأحسن من الإغتراب في مجتمعك وبلدك عندما تحاكم عسكرياً بسبب كلمة أو قصة شعر؟ الغربة حتماً أخف من الإغتراب، والغريب أحن عليك من أهلك، إفهم، لو أن هناك معركة لقاتلنا من أجل الحرية، لكن لا وجود لمعركة، يوجد إعتداء وفقط، توجد ضحية، أنت وأنا، ضحايا لا غير، لسنا جنوداً ولا محاربين، يا ريت في معركة من أجل الحرية، يا ريت، في إنتهاك وهتك وإضطهاد لأبسط حرياتنا، فقط لا غير.

ومن باب الإحتياط والثقافة، للقضاء الأردني وللنظام، مش غلط الواحد يقرأ، جون ستيوارت ميل، سنة ١٨٥٩، كتب هذا الكتيب، وأول ما كتبه بقلك أنا مستحي من حالي إنه لسّا في داعي الواحد يثبت الصحّة المنطقية للحريات الفردية، جون ستوارت ميل كتب وهو مستحي، والنظام بيحبس وبحاكم عسكري في القرن ال٢١ وما بيستحي.

http://www.bartleby.com/130/1.html

Blogger templates

About