
لا وجود، ولا إمكانية لوجود، الأردن أو أي بلد آخر، بمعزل عن باقي العالم. وهذا الكوكب التعيس، كما نعلم جميعاً، مليء بالأخطار والمطبات والعهر العالمي. فعلياً، إن الدول الوحيدة المعزولة عن العالم هي دول خارج التاريخ حتماً، ككوريا الشمالية مثلاً. ولا بد لنا هنا أن نتغاضى عن الرأي المتهافت والساقط القائل بأن دولاً ككوريا الشمالية هي مشاريع ناجحة بأي نوع من أنواع المعايير. عدا ذلك، فإن كل دول العالم تمر بأزمات، هنالك دوماً خطر ما خارجي أو ظروف حساسة أو مش وقته أو ما شابه. وهذا الخطاب، خطاب السلطة والمحافظين، يدفع دوماً بإتجاه الحفاظ على كل شيء على ما هو عليه، لأن القادم محفوف بالمخاطر، أو لأن الوقت لم يحن بعد، أو لأن العالم يمر بمرحلة حسّاسة، أو لأن المنطقة مش مستحملة، أو، أو لأن الحقيقة المرّة، هي أن أصحاب الجبروت والمال والجاه، سيصطفون دوماً مع المحافظة على مكتسباتهم. لا يوجد نظام في العالم، مهما كان كيوت ومنيح، مستعد للتقدم أو التغيير أو منح الهبات الحقوقية مجاناً. كل الأنظمة، في كل العالم، هي نتاج ظروف تاريخية سابقة زمنياً، والأنظمة والبنى تميل دوماً بإتجاه الظروف هذه، إذ أنها الظروف التي شكّلت ضرورة نشأتها، لا ظروف مستقبلية تحرمها من سلطتها على الفرد

إن الفرد، بحكم تعريف الأخلاق، ليس مجبراً ولا مطالباً بأن يتصرف بشكل أخلاقي مع الأنظمة والمؤسسات والشركات. الأخلاق شكل من الإلتزام الناتج عن ضرورة أو عقد إجتماعي أو طبيعة بشرية، لا يهم، لكنها بالتأكيد صيغة للتعامل مع الفرد الآخر، وليس المؤسسة أو الشركة أو النظام. ولذلك، فإن الإستقواء بالغرب على العقل الأمني الأردني ليست خيانة، أو مثلاً الإنقضاض على الدولة/النظام/المجتمع في الظروف الحساسة من أجل تحسين شروط الفرد هو عبادة بحد ذاتها.
وعلى الصعيد الحقوقي والحرياتي فإن القضايا التي نواجهها الآن في الأردن:
(طبعاً هذا لا يشمل النواحي الإقتصادية، ولهذه نص لاحق مستقل)

١. التعذيب، لا زالت الأجهزة الأمنية الأردنية تتعامل مع الفرد وكأنه من ممتلكات النظام. وبالتالي، تتصرف الأجهزة غالباً بطريقة لا تراعي أن الإنسان أو المواطن، هو كائن قابل للكسر والتشويه، بل مجرد شيء ما لا قيمة له. ممارسة التعذيب لا تحصل على المستوى علاقات الأردن العالمية فقط (طبعاً كلنا نعرف التاريخ القريب الجميل، عندما كانت الولايات المتحدة ترسل أولاك الذين اختطفتهم من حول العالم إلى الأردن ومصر وسورية -نعم سورية- كي يتم إنتزاع اعترافاتهم بكل لباقة). تتم ممارسة التعذيب أيضاً على مستوى المخافر، (خلع أذن أحد متظاهري تشرين الماضي)، وعلى مستوى الشارع، (عشرات أفراد الشرطة يعتدون على احدهم بأدوات شواء حادة صلبة السنة الماضية). ناهيك عن قتل موقوف مؤخراً في جهاز مكافحة المخدرات للإشتباه في تعاطيه مادة الحشيش. المهم هنا، هو أن الشرطة لم تجد مانعاً من إستخدام العنف ضد المدنيين العزّل، على العلن وفي الملأ في معظم الأحيان، إن ثقافة حقوق الإنسان لم تصل بعد إلى داخل الأجهزة الأمنية. هم لا يعرفون، هم يجهلون معنى كرامة الإنسان لدرجة القيام بهذا كله في الملأ وأمام الكاميرات. لأنهم ببساطة اعتادوا على أن الفرد، طالما أنه ليس ثرياً أو ذا نفوذ، هو مجرد لا شيء لا مانع لديهم من تأديبه أو تعذيبه أو تقويمه أو تربيته، لأن هذا هو دور الأجهزة الأمنية الذي أصبح معياراً في البلاد. على كل حال، إن كنتم ترغبون بمعرفة المزيد عن فقء عيون المعتقلين أو تكسير عظام المتظاهرين، يمكنكم معرفة آخر انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الدولة من خلال هيومان رايتس ووتش أو امنستي وهذا متوفر باللغة العربية على مواقعهم.
٢. تجنيس أبناء وأزواج الأردنيات، إذ لا يعقل، وبغض النظر عن أي نوع من الظروف أو المخاوف، أن تحرم المرأة والأم الأردنية من ممارسة حقها في بلدها وتوريث جنسيتها مهما كانت النتائج. لا يجوز، في هذا الزمان وبعد كل ما كتب وقيل عبر التاريخ، أن تمارس مؤسسة الدولة، أو أي مؤسسة، أي نوع من أنواع التمييز السلبي ضد المرأة حتى ولو كانت البشرية على حافة الإنقراض التام. إن أصواتاً أردنية اليوم، تنادي بحرمان المرأة الأردنية من حق أساسي وشرط مركزي للمواطنة، وهو الحق في البلاد التي من المفترض أنها للجميع. وقد حان الوقت منذ زمن بعيد، لإسقاط الحجة التي تجابه تجنيس أبناء الأردنيات بالتجنيس غير القانوني لغيرهن. إن حرمان الأردنيات من توريث جنسيتهن لا يرتقي، وهو في إطار النفي المعنوي والإسقاط الجزئي للجنسية عنهن، لأي نوع من أنواع التجنيس غير القانوني (وهو في إطار السرقة، لكن هذا لا يقرب حتى من حرمان التجنيس الذي يقع في وزن النفي من البلاد)، ولا يمكن مجابهة هذا بذاك. إن تمييزاً ضد امرأة واحدة في هذا المجال، هو إغتيال وقتل لمفهومي المساواة والمواطنة. لا يجوز أن يدور هكذا نقاش عن هكذا موضوع، لا يوجد أي داعي لإثبات الحقيقة البشرية القائلة بحق المرأة/الإنسان في العدالة.
٣. الحق المطلق والمقدس في التعبير عن الرأي: وهذا لا بد له أن يشمل الحق والحرية في التعبير عن أي رأي بما في ذلك ما يتعلق بالنظام ورأس النظام والله والدين والرسل ورؤساء المخابرات الحاليين والسابقين واللاحقين ومتهمي الفساد ورجال الدولة الكبار والأجهزة الأمنية كافة وممارساتها جميعاً، إضافةً إلى الحق في التعبير عن الرأي فيما يشمل المال العام والسياسة العامة للدولة مهما كان الأمر أو الوضع حساساً وحتى في حالة الحرب، إضافةً إلى اشتماله على كافة وسائل التعبير بما في ذلك الفردي والجماعي في التظاهر والإعتصام والإعتصام المفتوح. إن الدولة الأردنية لا زالت تفضل تكميم الأفواه بدلاً من ضمان حرية التعبير عن الرأي بشكل مقدس لا يقبل المساومة. إن على الدولة الأردنية ضمان هذا الحق لكل الأفراد على حسابها، أي بما يشمل حماية أصحاب الرأي من الإعتداء والملاحقة والضغوط التي تمارسها أجهزة الدولة أو المجتمع على السواء.
٤. الحقوق الفردية أو الفردانية: ويشمل ذلك كل ما يفعله الفرد طالما أنه لا يؤذي الآخرين ولا يحد من حرياتهم، وفي أعلى القائمة، حقوق المثليين جنسياً وحق المرأة في الإجهاض (كبديل عن تزويج القاصر لمغتصبها كما يحدث اليوم في الأردن)، والحق المضمون والمقدس في خوض نمط حياة خاص مهما كان هذا النمط. على الدولة الأردنية أن تسخّر جزءًا من مصاريفها لضمان حقوق الأفراد ضد المجاميع (ولعلها تود تقليل نفقات التنصت على هواتف الأردنيين كي تأتي بالمال) مهما كانت طبيعة نمط حياتهم ومهما تعارض هذا النمط مع كل كتب الميثولوجيا التي يود البعض احترامها.

هنالك ضرورة فائقة، الآن وليس في أي وقت مضى أو قادم، للعمل على كف يد الدولة (وأجهزتها) والمجتمع (ومجاميعه) عن الحقوق الفردية. ولربما تكون ممارسة هذه الحقوق بغض النظر عن الوضع القانوني الحالي أهم ما يمكن فعله لترسيخ قواعد وحدود اللعبة. إن النصوص القانونية لم ولن تكن يوماً ضامناً للحقوق والحريات الفردية، على العكس، فلطالما كسرتها الأنظمة الإستبدادية أو المجتمعات المتخلفة/المتأخرة على مر العصور. لا بد لنا من القيام، حتى لو لم نرغب ذلك، بكل ما يحق لنا، ينبغي علينا ممارسة هذه الحريات، حتى لو لم نرغب بها أو لا نشعر بضرورتها.
إن لم يكن التمرد والحرية الجنّة بعينها، فهما الطريق إليها.
No comments:
Post a Comment