Sunday, December 30, 2012

معاً من أجل الخلاص

بما أن نمط الحوار حالياً، الذي يخطه النظام الأردني، يأتي على شكل أوراق نقاشية، نطرح لكم التالي للنقاش والحوار من أجل الميلان نحو الخلاص والتهلكة. هذا النص هو الثاني بعد "دعوة مقترحة لوثيقة ما قبل تأسيسية لأغراض الهدم والتفكيك" التي نشرناها على هذه المدونة العظيمة في الثاني من أكتوبر هذه السنة.

كبداية، لا بد من إعادة تعريف الخلاص والتهلكة كي يتمكن النص من الاستمرار. في الحقيقة، لا بد من إحداث ازاحة في هذين المفهومين، وليس إعادة تعريفهما تماماً.

أولاً، الخلاص والهلاك (salvation and annihilation):

قامت الكنيسة العاهرة بربط مفهوم الخلاص بشخص، الله، المسيح، القديس، وروجت في أنحاء المعمورة جمعاء، أن الخلاص يأتي من أحدٍ ما ولا يكفي العمل وحده لتحقيقه (إتهام الكنيسة بالعهر ليس إنتقاصاً من الكنيسة كبناء أو مؤسسة، بل شتيمة تقع على كامل صفوف المؤمنين والقساوسة والنص والعقل والتاريخ الذي يحكمها). وكأن قول الكنيسة هو أن البشرية كاملةً لا تستطيع الخلاص بنفسها، بل بحاجة، بغض النظر عما تفعله، إلى تدخل إلهي بطولي على شكل المسيح، الذي يضحي من أجل خلاص بني زفت بني آدم. على كل، وبمعزل عن مؤسسات الدين الساقطة، علينا أن نتذكر أن البشرية كانت وما زالت تحاول الخلاص بنفسها من هذه المهزلة بكل الطرق الواردة، من الفيزياء إلى الغيبيات، كله بلا نتائج أو فائدة ترجى.

قام الجنس البشري بمحاولات لا تعد ولا تحصى للخلاص، يمكننا فعلياً أن نرى تاريخ الإنسانية من ثورات وأديان ونصوص ولوحات ورسومات وغناء وتقدم وعلم على شكل محاولات لا تهدأ ولا تكل من أجل الخروج بالإنسان من التهلكة. فعلياً، تصعب رؤية نصوص كالقوانين والتعليمات والأنظمة والدساتير والإجتهادات سوى كمحاولات بائسة ساقطة قاصرة للنجاة بالإنسان من ميمعة الوجود (تعميم فكرة أن الوجود ميمعة وليس وجوداً أو أثراً أو كياناً ثابتاً أو متغيراً قابلاً للفهم والتحليل والتفسير). لكن أثبت التاريخ والوجود أن هذه المحولات لا تستطيع أن تقدم لنا ما تعده من الأفضل، الغد، الخلاص. تتعدد الأسباب التي تفرض هذا الفشل، فهي تتنوع وتتعلق بسقوط اللغة، وسقوط الإنسان، وتتدرج نحو سخافة وتافهة ومهزلة الوجود وفخ الحياة.

بالتالي، علينا كي نوقف هذه السقطات المتوالية والمتتالية، أن نبدأ بالتفكير بطريقة مختلفة. الخلاص، ليس أن تتحسن شروط هذا الوجود التافه، أو أن نجد معنى ما فائق أو عابر "transcendental" للوجود. بالعكس تماماً، إن ما سوقته الكنيسة العاهرة والفلسفة الساقطة من "هلاك" هو فعلياً الخلاص الوحيد الممكن. إن شرط فوز الإنسان في لعبة الوجود وخروجه من فخ الحياة هو فعلياً ما كان الإنسان الأعمى يحاول الخلاص منه طوال هذا التاريخ الممل والمقرف. إن الخلاص الوحيد الممكن الذي يجب علينا البدء بالترويج له هو "التهلكة الشاملة" للوجود البشري كاملاً بلا إستثناء (طبعاً عدم وجود استثناء لا يعني عدم وجود أولويات). إن التهلكة الحقيقية التي يواجهها الانسان كفرد، والمجتمع ككل، هي البقاء في هذه اللعبة. التهلكة هي فعلياً الموت البطيء الذي نتعرض له يومياً بحكم التنفس (الشيخوخة والترهل والموت سببه فعلياً الحياة، إن الأكسجين الذي نتنفسه هو ما يسبب الأكسدة البطيئة لأجسامنا وبالتالي الموت). التهلكة هي خيبة الأمل المستمرة في حياة الفرد والمجتمع، خيبة الأمل بالدين والقانون والدولة والحداثة والوجود، (يمكننا، أن نعتبر إن الصفة السائدة والثابتة للحياة هي أنها مخيبة للأمل، وأنها أقل قليلاً مما يمكن لها أن تكون).

أخيراً، ولكي نختم هذه الفكرة، علينا أن نصل إلى النتيجة التالية، الهلاك الشامل الكامل لهذه البشرية، وتحديداً محيطنا العربي، هو فرصة الخلاص الوحيدة الممكنة لنا جميعاً، كأفراد، وشلل ومجتمعات وشبه حضارة. الخلاص الفردي والجماعي هو الهلاك بأي طريقة ممكنة على صعيد شامل وكبير. أيضاً، وبعكس الخلاص التي روجت له الأديان والثقافة الإستهلاكية، لا يأتي الخلاص من خلال المخلص، بل من خلال مجموعة كبيرة من الفاعلين القائمين على الهدم والتفكيك والتدمير والإزاحة بإتجاه الحرق والموت والنهاية السعيدة الكبرى لهذه المهزلة. إن النهاية الكبرى التي ندعو لها، بحاجة إلى كتاب ورسامين ومخططين، غرف عمل وعمليات، فرق، تنسيق، تشتيت وهلم جرى.

ثانياً: محلياً:

يعني أثبت التاريخ العربي والإسلامي المعاصر، أننا أمة لا تستحق أن تمتلك من خيارها شيئاً، أننا غير قادرون على تبني التوليفة الديمقراطية، أننا، ولا سمح الله، إذا ما بلينا بالديمقراطية فإننا نختار الظلاميين والهمج والمتخلفين. أثبت التاريخ أن أفضل القيادات العربية، هي قيادات تافهة غير قادرة على بناء، أو عرقلة هدم، الدولة الحديثة، أن القيادات اللامعة والذكية التي ننتجها هي قيادات عادةً ما تكون عميلة أو متواطئة أو مصابة بجنون البعث والعظمة، أثبت التاريخ ووثق أننا لا نستحق ما نطمح إليه و.

وكما وضح قليل الحيا والشرف، إبراهيم الجمزاوي، أحد الأفراد الأساسيين في بؤرة حرق الأمة، "بدنا كمان دعوة بس تكون صادقة وجدية هالمرة لانتهاء الكون... أو سنقوم فعليا بحرق الامة..". وهذا الكلام دقيق:

أولاً، قامت الثقافة الإستهلاكية، بشكل واعي أو غير واعي، بتضخيم وتهويل وشرذمة الأمل المتعلق بإنتهاء الكون. وبدلاً من إتخاذ نبؤات نوستراداموس أو رزنامة المايا كمرجعية ثقافية وفكرية لسناريوهات إنتهاء المهزلة والوجود، وبالتالي الخلاص الفردي والجماعي النهائي والأبدي، قامت ثقافة رعاة البقر بتحويل هذه المرجعية إلى مجرد أعمال بصرية سينمائية، تطرح أن فكرة إنتهاء الكون هي التهلكة، وأن البطل الذي يود أن يشارك احداهن السرير، سيقوم بإنقاذ العالم من هذه النهاية. (علينا أن نعيد فهم وقراءة هذه الأعمال بالعكس، أي أن البطل الذي نجا بالعالم من التهلكة، هو فعليا الشرير الذي قام، مقابل الجنس أو الحب، بمحاربة الأمل بالخلاص، إنتهاء الكون أو التهلكة، ونجح في النهاية بإبقاء البشرية في معاناتها الحالية مع ثقل الوجود وتافهة الحياة في مقابل جنسي أو مادي أو معنوي ما - إن إعادة فهم أعمال هوليوود بهذه الطريقة تجعل من الولايات المتحدة أكبر منتج ومصدر للأعمال الدرامية الحزينة والسوداوية في العالم). لكن، المشكلة في هذه الأعمال هي أنها تتعامل مع الموضوع بنفس النفس الكنسي القديم، إذ ظلت نهاية العالم هي الأمر الخارج عن المألوف، ظل المخلص هو الفرد الواحد الجيد الخير الذي يستطيع إيقاف نهاية العالم، ظل الحب والمال مكافأة للفرد الذي يبلي البشر بإستمرار المهزلة.

لم ولن تقوم الثقافة الإستهلاكية بمساعدتنا على الخلاص، إذ أنها، وكأي نظام، تسعى بشكل أعمى للإبقاء على نفسها. وإذا ما أردنا الخروج من هذه الدائرة المفرغة، علينا أن نبدأ العمل والتفكير في السيناريوهات الآتية، التي لا تشكل بديلاً عن بعضها البعض، بل خطوات متلاحقة:

تعميم الفشل كنجاح، الإحتلال الإسرائيلي أنموذجاً: وكما قال خليل خوري العظيم "للي راح على الضفة الغربيه بعرف انها بتخزي، شوارع مافي.. لدرجة إن الواحد ما بصدق يرجع عالاردن إلي يا ريت برضو تنضم لاسرئيل عن قريب إن الله راد". هذا مثال جيد على تعميم صورة أخرى ومختلفة عن ما نسميه إصطلاحاً بالفشل والنجاح. إن القيام الممنهج والمستمر والمخطط والواعي بتعميم فكرة الإنهزام وفقدان الأمل والتهلكة وتشجيع روح الإنسحاب والتراجع هو من أساسيات مكافحة ثقافتي الإستهلاك وموطني على السواء 

حرق الأمة: وعلى هذا المشروع الخروج سريعاً من دائرة السخافة والتنكيت والتخويت. هذا مشروع يمكن له أن يرى النور، وقوامه العمل الجاد والمستمر بنفس طويل من أجل التخريب والتفكيك والهدم والحرق والموت لنا جميعاً من خلال جلد الذات ورفض الأفضل والمستقبل. هذا عمل بحاجة إلى مقاتلين وحزب وبؤر وهو سيناريو علينا، إن لم نؤمن به، أن نقوم بتحليله وفهمه بعمق. هذا هو أقرب ما لدينا من أجل الخلاص من خلال العمل الجاد والدؤوب والواعي للخروج من الميمعة والمسخرة
نتمنى منكم المشاركة بأفكاركم، لعل وعسى يعني

1 comment:

Blogger templates

About